هي صور حاولت أن استجمعها، لم أجد صعوبات في ذلك، لأنها صور لن تمحى من ذاكرتي.
لست أدري من أين أبدأ. يوم 14 جانفي 2011 لم تكون لي الجرأة لأخرج إلى شارع الحبيب بورقيبة. بقيت في المنزل، قضيت معضم اليوم جالساً أتابع الأخبار وادعو للذين كان لهم الجرأة ليقولوا للدكتاتور "إرحل" من أمام المبنى الذي لا طالما كان رمز للإستبداد والقمع. على الساعة الثانية توجهت إلى المسجد وكانت المظاهرات قد بدأت في النهاية. لم يكن يهمني أن يرحل بن علي لأن النصر تحقق وجدار الخوف سقط. كانت آخر صلاة جمعة أصليها في خشوع. ساعة من الإنقطاع على العالم، خرجت بعدها لأجد الناس في الشوارع وقد سرى في الناس أن التلفاز سيعلن خبرا هاما.
ذات مساء في شهر فيفري وجدت نفسي أمام منزل محمد الغنوشي بعد استقالته وقولته الشهيرة "je ne suis pas un homme de répression". لم أذهب يومها لأسأله العودة كما فعل الأخرون بل لأشكره على ما فعله و لأني أرى فيه إلى اليوم رجلاً نزيهاً و كفئاً و قد تعلمت أن احترم المجتهدين. لم اكتشف محمد الغنوشي بعد الثورة مثل الكثيرين بل من خلال مقال في جون افريك سنة 2006 فيه السيرة الذاتية للغنوشي ويقر بكفائته ودوره في إنقاذ الإقتصاد التونسي بعد أن عبثت به أيادي حامد القروي. كنت دئماً أحلم بأن يقود بلدي أناس شرفاء مستنيرون وأن لا تسقط في أيادي شيوخ الظلام أو المفسدين.
الصورة الثالثة التقطها يوما وأنا عائد من البحيرة وأنا أرى الألاف من السيارات والأنفار وقد جاؤوا لإستقبال الشيخ الذي كان يطبل لصخر الماطري بعد أن هرب إلى لندن تاركاً وراأه الألاف من العائلات المشردة والأطفال اليتامى والنساء الأرامل بعد أن ورطهم في حرب غير متكافأة مع بن علي وهرب. القائد الحقيقي أو الرجل لا يهرب من ميدان المعركة. هرب الشيخ وتنعم برغد العيش في بريطانيا العلمانية ليعود فيسب العلمانية ويستولي على ما تحصل عليه التونسيون بدمائهم ... لطالما تخاصمت مع والدي لأن لا احتمل أن أرى هذا الغنوشي يسب تونس في منابر الخليج. لم أكن اتحمل أن يتحدث انسان عن بلدي بسوء وخاصة في الخارج. بقيت في ذاكرتي من ذلك الاستقبال المشؤوم اناشيد أقبل البدر علينا فهل الغنوشي بدر وهل في الكون إنسان يمكن أن يساوى برسول الله صلى الله عليه وسلم ... كانت تلك بالنسبة لي بداية النهاية ... قبلها بأيام لم تكن تسعني الدنيا من الفرحة، لقد ذهبت إلى ملتقى نظمه التجديد ... لم أكن أصدق أنه سيأتي يوم يمكن أن اذهب فيه لأسمع معارضين لبن علي وأراهم
الفايسبوك مليء بالكذب والتلفيق ولم أكن أصدق كل ما يقال عن الأحزاب. قررت أن أذهب واستمع إلى كل حزب ... زرت ملتقيات النهضة والمؤتمر والتقدمي وآفاق والقطب وحتى الحزب الشعبي الجمهوري ... ولئن رأيت بعيني كم كانت ملتقيات النهضة مفرغة سياسيا وتغلب عليها الأحاديث والأدعية حتى تخال النفس في زاوية أو في مقام ولي صالح وخامرتني فكرة أن أحمل معي في المرة المقبلة شيئا من البخور فإن أكثر ما ضل في ذاكرتي هو المنصف المرزوقي أو مسيلمة الكذاب. لقد كان خطابه على المحاسبة عنيفاً حتى أنه خيل إلي أن سأرى المحاكم الشعبية و المشانق والمصاقل تنصب في تونس بعد الثورة ....
الصورة الأخيرة هي عذاب الضمير ومساءلة النفس يوم وجدت نفسي أهجر بيتاً من بيوت الله وأنا العن الإمام وقد كفر نصف شعبي وقارن ضمنياً من يحكموننا اليوم بيوسف عليه السلام. يومها فاض الكأس وأنا الذي تحملت مدح بن لادن والدعوات للقتل وشتم وتخوين الوزراء ... واليوم سمعت عن تدنيس قبر رمز من رموز بلدي الطاهر الحداد
+1
RépondreSupprimerBravo pour ton courage